أخبار وطنية نداء تونس: قادة يرفضون أن يكونـوا «طـراطـيـر»

بقلم: محمد المنصف بن مراد
كنت وجّهت رسالة مفتوحة الى رئيس الجمهورية السيد الباجي قايد السبسي أكّدت له فيها أنّه سيتضرّر كثيرا إذا لم يستمع لقيادات حزبه ولممثلي النخب في تونس وسيصبح سجين قصر قرطاج خاصّة أنّه ابتعد نسبيا عند تحديد أسماء الوزراء واعتبر انّ حزبه غير معنيّ بمناصب رئاسة الحكومة ووزارات الدّاخلية والعدل والدّفاع..
لقد أصبح نداء تونس حزبا شبه طرطور في اتخاذ القرارات الهامّة! ويبدو انّ سي الباجي يسير نسبيا على خطى الرؤساء التونسيين السابقين الذين رفضوا الاستماع للآراء المخالفة عند قراءتهم للمشهد السياسي فعاشوا شبه معزولين عن الواقع..
ولقد ذكرت في المقال المشار إليه أنّني مع اشراك حركة النهضة في الحكومة شريطة تعيين ندائيين ممتازين على رأس الحكومة ووزارات السيادة، لكن حسابات السيد قايد السبسي كانت في الاتجاه المعاكس، وهو ما سيدفع تونس نحو أزمات كبيرة وخانقة لأنّ برنامج الحكومة ليبيرالي ومملى من قبل الأمريكان والبنك الدولي، فضلا عن عدم تطهير وزارة الدّاخلية والجيش من كلّ متطرّف عيّنته الترويكا ممّا سيكبّل الحرب على الارهاب ومكافحة التهريب وكشف قتلة الشهداء نقض والبراهمي وبلعيد...
واليوم يمرّ نداء تونس بأزمة خطيرة أسبابها عديدة ستكون لها انعكاسات على الوضع في البلاد.. فالأسلوب المعتمد في إدارة حزب في حجم نداء تونس غير مقبول، فكوادر من الحزب يرون أنه في صورة عدم انتخاب مكتب سياسي سيصبح اتخاذ القرارات أمرا في منتهى المشقّة أو الخطورة.. إنّ مواقف قيادة حزب نداء تونس المتضاربة ستسبّب أزمات خطيرة على الصّعيدين الأمني والاجتماعي.
وبعد تشكيل الحكومة عبّر عدد من الندائيين عن رفضهم للأسلوب الأحادي في تسيير الحزب كما عبّروا عن رفضهم للمكانة التي يحظى بها ابن الرئيس حافظ قايد السبسي الذي يفتقر للخبرة السياسية وليست له ايّة شرعية سوى انه نجل الرئيس المفضّل! ولو انسحب لكان ذلك أنفع للحزب! وفي هذا السياق، لنتذكّر كيف أقصى الرئيس بورقيبة ابنه من السّاحة السياسيّة نظرا إلى عدم كفاءته..
وأمام هذه الصراعات والتصدّعات داخل نداء تونس، ما هي انعكاساتها على الحكومة وعلى الوضع في البلاد؟
الانعكاس الأوّل هو التشويش على صورة رئيس الجمهورية، ذلك أنّ عددا من النواب رفضوا اختياراته السياسية وتعيين حكومة اقتسمت فيها الوزارات بالمحاصصة لم يحتل فيها «كبار» الحزب أهمّ المناصب.. انّ هذه الانقسامات والتجاذبات ستضعف ـ ولو إلى حدّ ما ـ رئيس الجمهورية الذي تخلّى عن رئاسة حزبه لكن تأثيره مازال واضحا بفضل المقرّبين إليه ومناصريه..
أما ثاني انعكاس فسيتجسّم في ثورة صغيرة لدى عدد من النواب في مجلس الشعب الذين قد يصوّتون ضدّ الخيارات ومشاريع القوانين السياسية والاقتصادية للحكومة التي لا يقتنعون بها.. وهذا التمشّي قد يغيّر بعض الموازين داخل المجلس خاصّة إذا حصلت قطيعة بين من يريدون انتخابات لاختيار مكتب سياسي قادر على اتخاذ القرارات عبر التوافق أو الاقتراع، وبين من يريدون المحافظة على توازنات الماضي والتأثير الفعلي للسيد الباجي قايد السبسي على توجهات الحزب..
أمّا ثالث انعكاس فهو مرتبط باستمرارية حزب نداء تونس: فهل هو مهدّد بالانفجار والانقسام ناهيك أنّه ومنذ سنتين لم تبرز فيه بعض الوجوه بصفة واضحة بما أنّ صورة السيد الباجي طغت على السّاحة السياسية، وهو الذي لم يسمح عن قصد أو دونه ببروز «قائد ثان» يمكن التعويل عليه في المستقبل أو مكتب سياسي مستقلّ عنه، وهذا خطأ استراتيجي خطير سيفرز مشاكل حادّة في المستقبل! أمّا على صعيد التركيبة هل يمكن التوفيق بين اليسار والدستوريين الذين تحالفوا ضدّ النهضة في مرحلة دقيقة بفضل «كاريزم» السيد قايد السبسي؟
علما أنّه لا يمكن لأيّ حزب ان يستمرّ في تناقضاته الايديولوجيّة (يسار ـ يمين) وأن ينتصر في الانتخابات الاّ في حالة حرب أو في ظروف استثنائيّة! علاوة على اتهام قياديين في الحزب بأنّ لهم علاقات جيّدة مع أصدقاء فجر ليبيا بواسطة رجل أعمال تونسي، وهؤلاء لابدّ من إقصائهم إذا ثبت تورّطهم مع هذا التنظيم وأيضا في المال القذر.
انّ البعض في انتظار انفجار حزب نداء تونس حتى يضعف وتتغيّر الخارطة السياسيّة وتدخل البلاد في دوامة من عدم الاستقرار والخضوع للاملاءات الخارجيّة، في حين مازال ممكنا انقاذ هذا الحزب لو أصبحت له قيادة ديمقراطيّة وصلبة تنبثق من مؤتمر ينتخب مكتبا سياسيّا له رؤية ومنهج ونفوذ واستقلاليّة في اتّخاذ القرار.
لقد أصبح اليوم عدد من النواب والكوادر يشعرون أنّهم «طراطير» فرفضوا هذا الاقصاء وأعلنوا عزمهم على اكتساح هيئات القرار حتى يكونوا طرفا فاعلا فيها.. وإذا تواصل الصراع المضرّ فسيندثر نداء تونس بسبب التناحرات الداخلية مع الملاحظة انّ أكبر هدية يمكن أن يقدّمها السيد الباجي قايد السبسي هي المساهمة في بروز جيل جديد من السياسيين لا يؤمنون بالرئيس الأوحد ويكون ولاؤهم لتونس وحدها المرجع الذي يستلهمون منه خياراتهم وقراراتهم..